تطبيق الجودة في المنشآت الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر

تطبيق الجودة في المنشآت الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر


تعد ثقافة الجودة وتطبيقاتها ذات أهمية بالغة للمنظمات لا سيما المنشآت الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر والتي تبدأ رحلتها بالكثير من العقبات في بيئتها الداخلية والخارجية، فمحرك البحث (قوقل) وبعض الحسابات المختصة في تطبيقات التواصل الاجتماعي تزخر بالكثير من المحتوى الرامي لنشر ثقافة الجودة والتميز المؤسسي إضافة لما تقدمه البرامج والجمعيات ذات العلاقة بنشر ثقافة الجودة من مؤتمرات وورش ودورات تدريبية.

إلا أن بعض الطرح النخبوي -إن صح التعبير- وما يتم استخدامه من مصطلحات متخصصة التي تتطلب من المتلقي أن تكون لديه المعرفة بالمبادئ والمفاهيم الإدارية المعاصرة وسلاسل الإمداد والإدارة اللوجستية، علاوة على مستوى تعقيد خطوات التطبيق المتداولة التي توحي للمتلقي أنه يتحتم عليه تطبيق ذلك الكم الكبير من الأدوات والوسائل والنظريات وتفسيرها لكي ينجح في تطبيق الجودة في منشأته، مما يجعل الكثير من أصحاب ومشغلي المنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة لا يأخذوا نصيبهم في التوعية والتوجيه الملائمين لهم باعتبارهم غير متخصصين وفي باكورة أعمالهم التجارية وفي أشد حاجتهم لتقديم يد العون والدعم الكافي لهم ،وذلك ليتمكنوا من تعزيز فرص نجاح مشاريعهم من خلال تطبيق الجودة والتميز المؤسسي في منشآتهم ليصلوا إلى نماذج تشغيل كفؤة لتكون ذات دور فاعل في نمو الاقتصاد المحلي.

وبالنظر إلى المنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة سنجد أنها تمثل 99.5% من إجمالي منشآت القطاع الخاص بالمملكة، حسب تقرير الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة للربع الأول لعام 2022م، وقد ارتفعت مساهمة هذه المنشآت في الناتج المحلي من 20% ما قبل إطلاق رؤية 2030 حتى وصلت إلى 28% في 2021م، إضافة إلى ارتفاع مساهمة البنوك التجارية في إقراض هذه المنشآت من 80 مليار ريال إلى 200 مليار ريال في نهاية عام 2021م علاوة على ما تقدمه صناديق الدعم الحكومية، وتتضافر جهود الجهات المعنية في الدولة لتحقيق إحدى مستهدفات رؤية 2030 أن تصل المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى ما نسبته 35% من الناتج المحلي بحلول عام 2030م مما سيكون لذلك بالغ الأثر في رفع الصادرات غير النفطية للمملكة.
إن تطبيق الجودة في هذه المنشآت – بغض النظر عن النظريات ومتطلبات المانحين لشهادات الجودة – من شأنه أن يضمن استمرارية ونجاح هذه المنشآت باعتبار أن الجودة بأبسط اشكالها ترتكز على ثلاثة محاور هامة بالحد الأدنى سيجد فيها رائد الأعمال ما يضمن فيها استمرارية وتطور نشاطه التجاري:

أولاً: التركيز على العميل وتلبية احتياجاته وتوقعاته واعتبار أن الموردين والموظفين والعاملين عملاء أيضاً.

ثانياً: كفاءة التشغيل وسلامة تسلسل الإجراءات والعمليات لضمان عدم وجود أي هدر أو فاقد مثل (وقت الانتظار الطويل، الإنتاج الزائد، المخزون الزائد، حركة الأفراد والمعدات في مساحات العمل، خطوات العمل غير الضرورية،المرتجعات والانتاج المعيب،…إلخ) ويدخل في ذلك إعمال الابتكار والتنبؤ بالمخاطر لتجنبها وتدريب العاملين، والاستمرار بالتطوير والتحسين للحصول على نموذج تشغيل أفضل من سابقه.
ثالثاً: التوثيق (اكتب ما تفعل، وافعل ما تكتب) ويشتمل ذلك البدء بكتابة الإجراءات ذات التأثير الأكبر تجاه العملاء وصياغة المؤشرات اللازمة مثل متوسط انتظار العملاء ونسبة مستوى المخزون وغيره، إضافة إلى توثيق السجلات المحاسبية وآلية التعامل معها بالشكل الصحيح، وتوثيق أدلة عمل لجميع الوحدات والأقسام وإبراز المخططات الانسيابية لتسلسل العمليات في مواقع العمل لضمان استمرار العمل وأدائه بالشكل الصحيح من أول مرة وفي كل مرة.

قدم مجموعة باحثين من جامعة جوهانسبرج جنوب أفريقيا ورقة عمل بحثية خلال المؤتمر الدولي لإدارة التكنولوجيا 2021م حول تنفيذ نظام إدارة الجودة في المنشآت الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، تضمنت هذه الورقة البحثية الإشارة إلى أنه من المحتمل أن يكون العائق الأكثر أهمية لهذه المنشآت في تطبيق الجودة هو أن أصحاب ومشغلي هذه المنشآت غالباً ما يكونوا تحت الضغط بشكل مستمر ويتعاملون بشكل مباشر مع التفاصيل التشغيلية والتوجيه المستمر للعاملين ما تسبب في عدم اهتمامهم بالعملاء، معيزين ذلك إلى نقص التعليم والخبرة الإدارية بشكل أكبر، وأظهرت الدراسة بأن سعي أصحاب هذه المنشآت لتطبيق الجودة سيوفر لهم هيكلاً يسهل عليهم إدارة منشآتهم بفعالية وكفاءة، وسيمكنهم ذلك من ضبط مكامن الهدر وبالتالي تقليل التكلفة، والسيطرة على العمليات التشغيلية بما يلبي احتياجات عملائهم وتقديم ما يفوق توقعاتهم ما يضمن لهم استمرارية منشآتهم ونموها.

إن أبسط وأسرع تطبيقات الجودة قليلة التكلفة في لمنشآت الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر والتي من شأنها أن تضمن استمرارية ونجاح هذه المنشآت تتم وفق الخطوات التالية على التوالي:

أولاً: إعداد مخططات انسيابية وأدلة استرشادية لتسلسل العمليات ووضعها في مكان بارز في مواقع العمل على مرأى جميع العاملين ومتابعة امتثال العاملين بها.

ثانياً: حصر جميع فرص التطوير والتحسين
شكاوى العملاء: من خلال السؤال المباشر للعملاء أو الاستبيانات أو تعليقات خرائط (قوقل)
مواضع الهدر في التشغيل: من خلال الوقوف والملاحظة في مساحات العمل داخل المنشأة
وترتيب أولوياتها حسب الأكثر تكراراً والأكبر في التكلفة.

ثالثاً: إجراء التطويرات حسب ترتيب الأولويات ذات الأثر الأكبر على النشاط، ويتم ذلك من خلال الإجابة على سؤال (ما هي الأسباب؟، وما هي أفضل الخيارات البديلة؟) وعند ترشيح أفضل الاختيارات يتم إجراء إختبار على عينة ومن ثم التعديل إن لزم ذلك، ثم اعتماد هذا التغيير عند نجاح الاختبار، ويتبع ذلك تحديث المخططات الانسيابية والأدلة الاسترشادية والعودة للتأكيد على العاملين بالامتثال بها، ومتابعة أثر ونتائج هذا التطوير.

ويبقى السؤال هو كيف يمكن إيصال فائدة ومنافع الجودة وآلية تطبيقها لدى المنشآت الصغير والمتوسطة والمتناهية الصغر في ظل انشغالهم بالتفاصيل التشغيلية والتوجيه المستمر للعاملين؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *